خلال القرن الماضي، حصلت ألمانيا الغربية، في خضم الحرب الباردة، على شرف استضافة النسخة العاشرة من كأس العالم لكرة القدم التي أقيمت ما بين 13 يونيو و7 يوليو 1974، وشاركت بها منتخبات الزائير، أستراليا، هايتي، الأرجنتين، البرازيل، التشيلي، الأوروغواي، بلغاريا، ألمانيا الشرقية، ألمانيا الغربية، إيطاليا، بولندا، هولندا، إسكتلندا، السويد ويوغوسلافيا. ولأول مرة بتاريخ كأس العالم، شهدت البطولة إقصاء منتخب الاتحاد السوفيتي الذي خسر بطاقة التأهل لألمانيا الغربية لصالح التشيلي بسبب الخلافات السياسية.

انقلاب بينوشيه
وعلى حساب كل من فرنسا وجمهورية إيرلندا، حصل الاتحاد السوفيتي على بطاقة التأهل نحو الملحق الذي وضعه في مواجهة منتخب التشيلي الذي انتصر بدوره بالمقابلة الفاصلة، التي أقيمت بملعب محايد بعاصمة الأوروغواي مونتفيديو، على منتخب البيرو. وفي ظروف سياسية ودبلوماسية متشنجة، كان من المقرر أن تجرى مقابلتا الملحق بين كل من الاتحاد السوفيتي والتشيلي. فخلال ذلك العام، كانت التشيلي على موعد مع انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه (Augusto Pinochet) الذي أطاح بالرئيس ذي الميول الاشتراكية والماركسية، المنتخب عام 1970 سلفادور أليندي (Salvador Allende). كما أمر بينوشيه، أثناء انقلابه في سبتمبر 1973، بنقل الآلاف من الشخصيات السياسية المصنفة بالمعارضة نحو الملعب الوطني (Estadio Nacional) بالعاصمة سانتياغو ليتم تعذيبهم وإعدامهم وسط إدانة عالمية لهذه الحادثة. من ناحية ثانية، تميّز نظام بينوشيه بالتشيلي بمعاداته للشيوعيين. ومع سماعه بخبر خوض المنتخب الوطني لمقابلة الذهاب بموسكو، تشاءم بينوشيه من فكرة سفر الشيليين نحو الأراضي السوفيتية. وفي النهاية، سمح الأخير لعناصر المنتخب بالسفر نحو موسكو شريطة عدم تقديم أية تصريحات سياسية.

إقصاء من كأس العالم
وبمقابلة الذهاب التي انتهت بالتعادل السلبي، منع السوفييت الصحافيين من دخول الملعب. وبسبب ذلك، راجت شائعات حول إمكانية قيام موسكو باحتجاز لاعبي التشيلي لمقايضتهم بمعتقلين سياسيين بسجون بينوشيه. وبمقابلة الإياب، رفض الاتحاد السوفيتي إرسال لاعبيه للتشيلي مطالباً باختيار بلد محايد لإجراء المقابلة. فضلاً عن ذلك، أكد السوفييت على رفضهم اللعب بالملعب الوطني الذي وضع به بينوشيه معارضيه السياسيين جاعلاً منه مركز اعتقال. وكرد على ذلك، أرسل الاتحاد الدولي لكرة القدم لجنة لمعاينة الملعب. وعقب جولة تفقدية، أعطت اللجنة الضوء الأخضر للتشيليين باستضافة مقابلة الإياب بالملعب الوطني.

في الأثناء، راسلت موسكو الاتحاد الدولي لكرة القدم وأعلنت أنها لن تقبل بخوض هذه المقابلة لأسباب أخلاقية على ملعب ملطخ بدماء التشيليين. ومع تعنت السوفييت ورفضهم خوض المقابلة، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم إقصاء منتخب الاتحاد السوفيتي ومنح نقاط النصر لمنتخب التشيلي الذي تأهل لكأس العالم 1974. وعلى حسب المحللين السياسيين لتلك الفترة، لم يكن السوفييت متأكدين من تأهلهم لكأس العالم بهذه المقابلة الصعبة. وبدلاً من ذلك، حاولت موسكو تحقيق انتصار أخلاقي على الصعيد العالمي لتلميع صورتها بعد اتهامها طيلة العقود السابقة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية جاءت أبرزها أثناء فترة حكم جوزيف ستالين.