مسلسلات رمضان 2024
بعثة علمية فرنسية.. حاولت رسم خريطة للعالم وغرقت بالمحيط
27/02/2021

مع توقيع اتفاقية باريس يوم 3 سبتمبر 1783، عرفت حرب الاستقلال الأميركية نهايتها ليشهد بذلك العالم اعتراف بريطانيا رسمياً باستقلال الولايات المتحدة الأميركية عقب نزاع، دعمت خلاله فرنسا الأميركيين لأكثر من 8 سنوات من الصراع الذي أسفر عن سقوط عشرات آلاف الضحايا.

ومع عودة الهدوء، خططت فرنسا للقيام بإنجاز غير مسبوق بتاريخها حيث أمر الملك الفرنسي لويس السادس عشر (Louis XVI) البحرية بالاستعداد لإرسال بعثة، تتكون من عدد من السفن، لمواصلة ما بدأه البحار البريطاني جيمس كوك (James Cook) واكتشاف مناطق جديدة بالمحيط الهادئ قبل العودة لفرنسا مجدداً عقب القيام بدورة حول العالم شبيهة بتلك التي قادها المستكشف البرتغالي فرديناند ماجلان (Ferdinand Magellan) قبل نحو 250 سنة.

بعثة علمية فرنسية.. حاولت رسم خريطة للعالم وغرقت بالمحيط صورة رقم 1

لوحة زيتية تجسد الملك لويس السادس عشر رفقة لا بيروز

وحملت هذه البعثة الفرنسية على عاتقها واجب إنجاز مهمة علمية فريدة من نوعها حيث أمر الملك لويس السادس عشر بأن يتواجد ضمن طاقم هذه البعثة عدد من العلماء الفرنسيين البارزين، كجان أندريه مونغيز (Jean-André Mongez) وروبرت دي لامانون (Robert de Lamanon)، لدراسة المناخ والتيارات الهوائية وحساب خطوط الطول وإجراء أبحاث على ظاهرة المد والجزر. فضلاً عن ذلك، رافق عدد من رسامي الخرائط هذه البعثة لتحقيق طموح لويس السادس عشر برسم خريطة حديثة ومعاصرة للعالم.

ولضمان نجاح هذه البعثة العلمية، كلّف الملك الفرنسي لويس السادس عشر المستكشف والمسؤول بالبحرية جان فرانسوا دي لا بيروز (Jean-François de La Pérouse) بقيادة أسطول السفن الذي تكوّن من فرقاطتين أساسيتين تمثلت الأولى في "السفينة البوصلة" (La boussole) بينما حملت الثانية اسم "الإسطرلاب" (l’Astrolabe).

بعثة علمية فرنسية.. حاولت رسم خريطة للعالم وغرقت بالمحيط صورة رقم 2

لوحة تجسد البحار لا بيروز

وعقب أشهر من التحضيرات، غادرت هذه السفن ميناء برست (Brest) مطلع شهر أغسطس 1785 ناقلة على متنها نحو 220 رجلاً كان من ضمنهم عدد هام من علماء الفلك والرياضيات والأحياء ورسامي الخرائط إضافةً لمختصين في مجال الأحوال الجوية.

وخلال هذه الرحلة التي كان من المقرر أن تستمر لأربعة سنوات، حلّ لا بيروز وطاقمه بالتشيلي وهاواي و"جزيرة القيامة"، كما اتجهوا نحو مناطق بكاليفورنيا حالياً قبل أن يبلغوا ألاسكا حيث فقدوا 21 بحاراً بسبب سوء الأحوال الجوية التي أدت لغرق مركبين مرافقين.

بعثة علمية فرنسية.. حاولت رسم خريطة للعالم وغرقت بالمحيط صورة رقم 3

لوحة تجسد لقاء البعثة الفرنسية بعدد من سكان جزيرة القيامة

لاحقاً، حلّت البعثة قرب الفلبين والصين وشاهدت سواحل شبه الجزيرة الكورية كما اقتربت من شبه جزيرة كامشاتكا الروسية. وخلال الفترة التالية، اتجهت سفن لا بيروز نحو أستراليا للتجسس على البريطانيين بالمنطقة ففوجئت بوجود عدد كبير من السفن الإنجليزية التي كانت تتنقل قرب سواحل أستراليا بحثاً عن مكان ملائم لإنزال 700 شخص من المذنبين الصادرة في حقهم أحكام بالسجن والنفي.

بعثة علمية فرنسية.. حاولت رسم خريطة للعالم وغرقت بالمحيط صورة رقم 4

لوحة تجسد ميناء ماكاو بالصين

بعد نحو 28 شهراً من الإبحار، حلّت البعثة الفرنسية بجزر سليمان وتوتويلا بعرض المحيط الهادئ أملاً في الحصول على بعض المؤن الغذائية إلا أنها تعرضت لهجمات بالحجارة والعصي من قبل السكان الأصليين مما أدى لوفاة 12 عنصراً من أفرادها.

قرب جزيرة فانيكورو (Vanikoro)، اختفت البعثة التي قادها لا بيروز بشكل نهائي وظلّت قصة غيابها لمدة تجاوزت الأربع سنوات لغزاً حيّر الفرنسيين الذين عاشوا بداية من شهر يوليو 1789 على وقع أحداث الثورة التي أطاحت بالملك لويس السادس عشر وأدت لقيام الجمهورية. وعلى حسب عدد من المؤرخين، احتفظ الملك الفرنسي لويس السادس عشر بذكرى هذه البعثة في ذهنه لحين وفاته حيث تساءل الأخير قبيل إعدامه بأيام عن سبب غياب لا بيروز لفترة تجاوزت 7 سنوات.

إلى ذلك، انتظر العالم حلول العام 1826 ليتأكد من مصير البعثة التي قادها لا بيروز. فمع لقائه بعدد من سكان أرخبيل فانواتو (Vanuatu)، حصل البحار الأيرلندي بيتر ديلون (Peter Dillon) على سيف يحمل شارة فرنسية حدّثه السكان الأصليون أنهم حصلوا عليه من حطام سفينتين كبيرتين غرقتا منذ عقود بالمنطقة بسبب سوء الأحوال الجوية.

بعثة علمية فرنسية.. حاولت رسم خريطة للعالم وغرقت بالمحيط صورة رقم 5

خريطة تعود للقرن 17 لعدد من المناطق بالمحيط الهادئ

بعثة علمية فرنسية.. حاولت رسم خريطة للعالم وغرقت بالمحيط صورة رقم 6