لعبت الكلاب دوراً كبيراً في مؤانسة البشر وحماية الممتلكات والقطعان وغيرها، لكن بعضها استطاع أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، فتارة أنقذت حياة الناس وتارة سافرت إلى الفضاء حيث لم يسبقها أحد، وتارةً نجّت العالم من حرب نووية! نستعرض في هذا التقرير كلاباً دخلت التاريخ بذكائها وفطنتها وقدرتها على التحمل:
1- لايكا.. أول كلبة إلى الفضاء
عندما انتهت الحرب العالمية الثانية بدأت الحرب الباردة سياسياً وأيديولوجياً بين المعسكر الشيوعي (بقيادة الاتحاد السوفييتي) والديمقراطيات الغربية (بقيادة الولايات المتحدة). احتلت كلبةٌ اسمها لايكا مركز الصدارة في هذا الصراع الجيوسياسي. في أكتوبر/تشرين الأول 1957، أطلق الاتحاد السوفييتي سبوتنيك 1، أول قمر صناعي بالعالم من صنع الإنسان. على الرغم من أنه كان بحجم كرة السلة فقط، فإن فكرة وجود سفينة فضاء شيوعية تدور حول الأرض أدت إلى ارتعاش العالم الغربي. كان من الممكن أن يكون سبوتنيك رأساً نووياً بسهولة. بعد بضعة أسابيع، نفذ السوفييت إنجازاً آخر عبر إطلاق لايكا في المدار.
كانت لايكا كلبةً ضالة بشوارع موسكو، ثم أصبحت أول كائن حي من الأرض في الفضاء الخارجي. لسوء الحظ، كانت مهمة لايكا رحلة في اتجاه واحد، ولم يتخذ السوفييت أي أحكام لهبوط المركبة. وقال مسؤولون روس في ذلك الوقت، إن الكلبة ماتت في المدار بعد نحو أسبوع من مغادرتها كوكب الأرض. ولكن كشف بحث جديد أن لايكا ماتت بعد وقت قصير من الإقلاع نتيجة الإجهاد وارتفاع درجة الحرارة داخل الكبسولة. في 11 أبريل/نيسان 2008، كشف المسؤولون الروس النقاب عن نصب تذكاري للايكا بالقرب من منشأة الأبحاث العسكرية في موسكو التي أعدت رحلة لايكا إلى الفضاء.
2- ستريلكا وبيلكا ناجيان حول مدار الأرض
في حين أن رحلة لايكا إلى الفضاء كانت تاريخية وحزينة، نفذ هذان الجروان ما فشلت فيه المحاولات السوفييتية مع لايكا. في 19 أغسطس/آب 1960، أطلق السوفييت خامس صاروخ سبوتنيك، وعلى متن المركبة كانت ستريلكا وبيلكا، أول كلبتين تدوران حول الأرض وتنجيان، إضافة إلى جرذان و40 فأراً وبعض النباتات وذباب الفاكهة. في البداية بدا الأمر كأن الرحلة ستنتهي بكارثة؛ عندما نظر العلماء السوفييت إلى البث التلفزيوني من الكبسولة، لاحظوا أن أياً من الكلبتين لم تتحرك. دار سبوتنيك 3 مرات حول الأرض بلا أي تذمر أو خدش في الأذن للكلاب.
ولكن عندما كانت المركبة تدور في مدارها الرابع، تقيأت بيلكا بعد جمود صادم، كان الكلبان على ما يبدو، في حالة نشوة بسبب نقص الجاذبية. مهدت الرحلة الطريق لرائد الفضاء يوري جاجارين للقيام بأول رحلة بشرية إلى الفضاء بعد عام. لا تزال بيلكا وستريلكا موجودتين، وإن كانتا في شكل محشو، وهما معروضتان في متحف رواد الفضاء بموسكو. وقدم رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف ابنة ستريلكا، بوشينكا، إلى جاكي كينيدي، زوجة الرئيس جون كينيدي. ظلت Pushinka حيواناً أليفاً محبوباً لعائلة كينيدي، وأنجبت في البيت الأبيض عدة جِراء، سماهم كينيدي مازحاً "بوبنيك"، في إشارة إلى الصواريخ الروسية سبوتنيك. وطلب أكثر من 5 آلاف مواطن أمريكيٍّ الحصول على جِرائها، ثم وزَّعها الرئيس على معارفه وأصدقائه إلى جانب بعض الأطفال.
3- الرقيب ستابي يكشف جاسوساً في الحرب العالمية الأولى
عندما انخرطت الولايات المتحدة عام 1917 في الحرب العالمية الأولى، بدأت ترسل قواتها إلى إلى أوروبا للدعم. في هذه المرحلة، هرَّب جندي أمريكي كلباً داخل مقطورة الفحم لإحدى سفن النقل. عندما أبحرت السفينة بعيداً في المحيط أخرج الجندي الكلب، ليكشف الضابط المسؤول أمره. ولكن عندما طلب الضابط من الشرطي التخلص من الكلب، فوجئ بالكلب يرفع يده اليمنى لأداء تحية تشبه التحية العسكرية، الأمر الذي أنقذ حياته!
تحول الكلب لاحقاً إلى أعظم كلب في تاريخ الولايات المتحدة، إذ ساعد في إيجاد الجنود الجرحى وتقصّي رائحة الغاز السام وتنبيه الجنود عبر النباح عند اقتراب جنود العدو. ولم يكتفِ ستابي بهذا، بل تمكن من كشف أمر جاسوس ألماني، الأمر الذي أدى إلى ترقية رتبته العسكرية إلى رقيب. عندما انتهت الحرب وعاد ستابي إلى أمريكا، قابل رؤساء أمريكيين سابقين، واستعانت كلية جورج تاون للحقوق بصورته لتجعله شعاراً لها، كما توجد صورته على ميداليات التكريم في المتاحف التاريخية الأمريكية.
4- الكلب تشارلي يلعب دوراً في أزمة الصواريخ الكوبية
كان جون إف كينيدي من أشد المعجبين بالكلاب، وخلال فترة حكمه القصيرة في البيت الأبيض، امتلك مع عائلته العديد من الكلاب. ومع ذلك، كان هناك كلب يدعى تشارلي، ترك أثراً كبيراً على تاريخ العالم. في أكتوبر/تشرين الأول 1962، كان العالم على شفا حرب نووية بعد أن نشر الاتحاد السوفييتي عدة صواريخ باليستية عابرة للقارات في جزيرة كوبا، على بُعد 144 كيلومتراً من الساحل الأمريكي. كانت فترة مضطربة ليس فقط بالنسبة للعالم، ولكن بالنسبة لكينيدي الذي كان هدفه إخراج الصواريخ من كوبا دون إشعال حرب نووية.
طلب كينيدي أن يحضروا له كلب أطفاله المفضل تشارلي إلى "غرفة الحرب" بالبيت الأبيض، ثم بدأ في تدليله برفق عندما اندلعت الأزمة، ما وصفه المحيطون بأنه كان كفيلاً بتهدئته. بعد ذلك بقليل أعلن كينيدي أنه بات "مستعداً لاتخاذ بعض القرارات". اتفق كل من كانوا في الغرفة على أن الكلب كان له تأثير المهدئ على كينيدي، الذي رفض الرد المسلح على الروس وتفادي الصدام، ونجا العالم من كارثة نووية. كعرض سلام بعد الأزمة، أهدى رئيس الوزراء الروسي آنذاك، نيكيتا خروتشوف، إلى ابنة كينيدي جروة بيضاء جميلة اسمها بوشينكا، ذكرناها في الفقرة السابقة.
5- فريدا تنقذ حياة العشرات
عندما ضرب زلزال بقوة 7.1 درجة مكسيكو سيتي في سبتمبر/أيلول 2017، كانت فريدا، وهي من نوع لابرادور وتبلغ من العمر 7 سنوات، جزءاً محورياً من فريق الإنقاذ. مسحت فريدا المباني المدمرة في المدينة بحثاً عن الناجين المحاصرين تحت الأنقاض. كانت في مكان الحادث عندما وجد رجال الإنقاذ 11 طفلاً محتجزين تحت حطام ما كان يعرف باسم مدرسة إنريكي ريبسامين. وقبل أسبوعين، ساعدت في العثور على جثة ضابط شرطة بعد أن هز زلزال ولاية أواكساكا.
فريدا ليست كلبةً عادية، بل تُعتبر "سيدة كلاب الإنقاذ الكبرى". عند وقوع كارثة طبيعية أو أي كارثة أخرى، يُطلب من الكلاب الأصغر سناً تسخير حاسة الشم للبحث عن الأحياء أو الموتى. إذا اكتشفت الكلاب شخصاً ما، يطلق رجال الإنقاذ فريدا؛ لتأكيد النتائج التي نبهت إليها الكلاب الأخرى. فإذا وجدت شخصاً ناجياً تنبح، وإذا وجدت جثة، فإنها تتوقف فجأة، قبل أن تتحرك بحذر شديد. يتعين على فريدا الزحف عبر مساحات لا يستطيع البشر التنقل فيها، ولكن اعتباراً من عام 2017، اكتشفت 52 شخصاً، 12 منهم كانوا على قيد الحياة، فما أنقذهم إلا نباحها.