أصدر الرئيس اللبناني ميشال سليمان عفوا خاصا هو الأول في عهده، عن الفلسطيني يوسف شعبان المسجون في سجن رومية بلبنان منذ 16 عاماً، تنفيذاً لحكم بالسجن المؤبّد صدر بحقه عن المجلس العدلي (أعلى سلطة قضائية) في جريمة اغتيال الدبلوماسي الأردني عمران نايف المعايطة في بيروت العام 1994، وهي قضية أدين فيها رجلان في الأردن وأعدما، ولم يأت نص الحكم الأردني على سيرة شعبان لا من قريب ولا من بعيد، ولم يكن ممكناً تخلية شعبان في لبنان إلا بعفو رئاسي، لأن أحكام المجلس العدلي مبرمة.
اضغطوا لمشاهدة الفيديو |
وجاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية أن سليمان "وافق على منح العفو الخاص من العقوبة المتبقية عن المحكوم يوسف شعبان، وأحيل الملف على وزارة العدل ليأخذ مجراه القانوني"، بحسب الحياة. واغتيل المستشار الأول للسفارة الأردنية في لبنان نائب عمران المعايطة العام 1994، في الروشة في غرب بيروت، بإطلاق النار على رأسه بينما كان في سيارته.
بعد فترة قصيرة من عملية الاغتيال، ألقي القبض على يوسف شعبان، وهو من سكان مخيم برج البراجنة (الضاحية الجنوبية لبيروت)، وحوكم وصدر في حقه وحق شخصين آخرين فارين أحكام بالإعدام خففت إلى السجن لمدى الحياة. وكرر شعبان مرارا، خلال المحاكمة وبعدها، أنه اعترف بقتل المعايطة تحت وطأة التعذيب خلال التحقيق معه.
وبعد إقفال ملف القضية في لبنان، استمر التحقيق في الأردن، حيث ألقي القبض على ياسر محمد حمد سلامة أبو شنار، الذي اعترف بإطلاق النار على المعايطة. كما ألقي القبض في 2001 على جمال درويش الفطاير الذي أدلى باعترافات كاملة حول العملية، من دون أن يأتي على ذكر المحكومين الثلاثة في لبنان. وأعدم الأردن أبو شنار والفطاير تباعا في العامين 2002 و2003.
على الإثر، بدأت حملة في لبنان تطالب بإعادة محاكمة شعبان أو الإفراج عنه، من دون أن تلقى استجابة، بحجة أن الحكم صدر عن المجلس العدلي، وأحكام هذا الأخير مبرمة لا تقبل الطعن أو الاستئناف. وبعد انتخاب ميشال سليمان رئيسا للبنان في مايو/أيار 2008، رفعت محامية شعبان مي الخنساء طلب عفو خاص إليه تم التجاوب معه اليوم.
أفراد عائلة يوسف شعبان ووكيلته المحامية مي الخنساء، نسوا جميعاً في لحظة كل هذه التفاصيل التي ما برحوا يكررونها منذ 7 سنوات، "حين ظهرت براءة يوسف" على مسامع السياسيين والهيئات الإنسانية. وكانوا كلما جاءت حكومة جديدة أو مجلس نيابي أعدّوا نسخاً من الملف، وسلموه إلى الوزراء والنواب علّهم يسهمون في "رد الحرية إليه". وكذلك فعلوا حين اعتلى سليمان سدة الرئاسة، ولطالما ناشدته أم يوسف عبر شاشات التلفزة الإفراج عن ابنها فاستجاب لطلبها.
سليمان وافق على منح العفو
الخاص من العقوبة المتبقية
تحلّق حول أم يوسف أبناؤها وأحفادها بمن فيهم أولاد يوسف وبعض جيرانها، كانوا في تلك اللحظة يتحضرون لتنفيذ اعتصام أمام وزارة العدل. ارتدوا جميعاً قمصاناً طبعت عليها صورة يوسف وتمنطق بعضهم بلافتات تطالب بـ"الحرية" له، وحضّروا أنفسهم للانطلاق لكن اتصالاً من الخنساء ورد إلى شقيقه إبراهيم قالت له فيه "الغوا الاعتصام الآن، اتصل بي وزير العدل "إبراهيم نجار"، وأبلغني بصدور العفو عن الرئيس".
جملة قصيرة كانت بالنسبة إلى العائلة أبلغ كثيراً من مئات الجمل والكلمات، التي خطت على مدى 7 سنوات تستنجد المسؤولين وتستعطفهم ليخرج "يوسف المظلوم من سجنه". أم يوسف التي غزت جسمها أمراض كثيرة بسبب توقيف بكرها وسجنه، كانت أمنيتها في تلك اللحظة أن يعود التيار الكهربائي؛ لتتمكن من سماع الخبر في نشرة تلفزيونية.
لم تعرف أم يوسف كيف تضبط نفسها، بعدما فاضت عواطفها وراحت تقبل كل من جلس إلى جانبها. زغردت وبكت وضحكت ورحّبت "مئة مراحب بيكم وبيوسف"، على ما تقول بلكنتها الفلسطينية. لم ترفع في تلك اللحظة صورة السجين، بل حملت صورة الرئيس سليمان بلباسه العسكري، ولم يتوقف لسانها عن الدعاء له ولكل "من ساعدنا وقال كلمة طيبة". لم تعرف ماذا تقول من شدة فرحها، وخصوصاً أن وسائل الإعلام تنادى مراسلوها إلى منزلها، تارة تقول "شفيت من أمراضي... ولو كان لي جناحان لطرت"، وطوراً تشبّه ولدها بـ"يوسف الذي ألقي في الجب ظلماً وسجن ظلماً".
لكن السؤال الذي لم تعرف الإجابة عنه هو متى سيخرج وكيف ستستقبلينه؟ واكتفت بالقول "سيخرج عندما يريد الله، كيف أستقبله.. أمٌ ربّت ابنها البكر يتيماً، لم تحضنه منذ 16 سنة وهو غائب ومظلوم، فكيف أستقبله؟". لكن الخنساء، التي توكلت القضية من دون مقابل، تتوقع أن يخرج من السجن السبت، بعد إتمام الإجراءات في وزارة العدل والنيابة العامة والأمن العام وكذلك السجن.