هل أصبح رمضان مختلفا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين في العالم الرقمي. فيما يرى البعض أن الوسائط الاجتماعية ساهمت في تغيير صورة رمضان وعاداتنا يجادل آخرون أن التكنولوجيا ساهمت في إضافات عدة لعباداتنا في شهر الصوم. يعتبر رمضان شهر الصوم والخير والبركات للمسلمين في أنحاء العالم، إذ يمتاز الشهر الفضيل بطقوس وعادات وتقاليد تنتظرها العائلة المسلمة طوال العام لممارستها في رمضان. وقد تكون الكلمة السحرية لمعظم الصائمين في رمضان هي "العائلة". حيث تشكل العائلة أو لمة الأصدقاء وحتى الجيران أحيانا جزءا مهما من تقاليد رمضان، حيث يجلس الجميع على مائدة واحدة ويتناولون طعامهم يوما بيوم. ويتناولون مواضيع متنوعة تهم أفراد العائلة بأجمعها، بيد أن تغييرات كبيرة بدأت تطرأ على عادات وتقاليد الصائمين في رمضان إذ بات منافس كبير يأخذ الكثير من وقت أفراد العائلة ألا وهو منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
وترى سمر، وهي مغربية تسكن في بون بألمانيا، أن الوسائط الاجتماعية مثل تيك توك ويوتيوب وانستاغرام وغيرها مفيدة جدا في حياتها لكن لا تخلو من سلبيات، وتقول في حوارإنها أصبحت تعرف أكثر عن عادات رمضان المختلفة في العالم العربي كما أنها بدأت بتعلم أكلات جديدة تقدمها لعائلتها، لكنها لا تحبذ قضاء أطفالها وقتا كبيرا على الهاتف وتعتقد أن رمضان وقت العائلة لكن أولادها يتحدثون أقل من رمضانات سابقة كما أنهم بدلا من ممارسة طقوس رمضان من صلاة أو عمل خير يقضونه على الهاتف.
ما تقوله سمر أكدته دراسة أكاديمية بعنوان كيف يعيد المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي تصور السلطة الدينية والممارسات الإسلامية " How Social Media Influencers Reimagine Religious Authority and Islamic Practices"، ويرى البحث، الذي أعده مجموعة من الباحثين والأكاديميين أن مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي باتوا يتحدون السلطات الدينية التقليدية، حيث يعيدون تصوّر هويات المسلمين بناءً على نمط حياة عالمي جديد. ويركزون في ديانتهم على فن السرد بدلاً من النصوص العقائدية وعلى العلاقات الإنسانية والحياة المدنية.
ويظهر البحث كيف أن مستخدمين من هذا الجيل يشكلون جزءًا من مشهد ثقافي رقمي متطور، ويسلط الضوء على تحول دور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الممارسات الدينية والتفاعل الديني في مجتمعات الشباب المسلمة. يشير الباحثون إلى التحديات والتغييرات التي قد تطرأ على المفاهيم التقليدية للدين والسلطة الدينية بفعل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن لمؤثري وسائل التواصل الاجتماعي أن يساهموا في إعادة تشكيل هذه المفاهيم. يُظهر البحث أيضا أن هناك طبقة جديدة من مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الإسلامي تسعى إلى تحدي التقاليد وإعادة صياغة الدين بطرق مختلفة. و يبرز الدور المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي في تأثير الفهم الديني وتشكيل الممارسات الدينية، خاصة بين الشباب ولا سيما في البلاد العربية بمنطقة الخليج.
كيف تغيرت عادات رمضان
بالنسبة للمحاضر في علم الاجتماع في رام الله إياد برغوثي فإن بوادر التغيير بفضل المؤثرين الالكترونيين باتت موجودة، فعمل الخير مثلا بات يأخذ مناحي إلكترونية في الجمع والتوزيع. والمتابع لمنصات مثل تيك توك وانستاغرام يجد العديد من المؤثرين الذين يقومون بعمل وجبات أو يوزعون ربطات الخبز وحتى شراء الأطعمة للعائلات المستورة في رمضان. حيث باتت هذه المنصات الالكترونية مخرجا من مخارج الزكاة والصدقة للمتابعين، الذين يوزعون على الهواء مباشرة، كما أن جلوس العائلة معا بات يتخلله مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي وتصوير الأطعمة ومائدة الإفطار، ونشر كل ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.
بالنسبة للعديد من الشباب، أصبح هناك تغيير في سؤال المرجع الديني، فبحسب البرغوثي تراجع دور رجال الدين والمختصين بالنسبة للمجتمع وخاصة الشباب؛ ليصبح البحث دائرا في منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما أدى إلى تسطيح المعلومة. بيد أن المحاضر في علم الاجتماع يؤكد أن هذا التأثير لا يزال في مراحله الأولى ويمكن تنظيمه إلى حد ما، إلا أنه يشير إلى أنه يتركز بشكل أكبر في الأجيال الأصغر سناً.
وفيما يتعلق بالدراسة التي نشرها المعهد في سويسرا يقول البرغوثي: "هنا يثار التساؤل: هل ساعدت فى تصاعد حالة التدين، والأهم المعرفة الصحيحة بالدين؟ أم أنها روجت للمزيد من مظاهر التدين الظاهري، الذى يرتبط بمقدار ما يقوم به المستخدم من مشاهدة المقاطع الدينية، أو تنزيل هذه المقاطع على هاتفه المحمول، وإعادة نشرها بين أكبر عدد ممكن؟" وبحسب البرغوثي فإن أعداد المؤثرين لم تؤد بالضرورة إلى زيادة في مستوى التدين بين الناس، خاصة مع استخدام المؤثرين للمنصات بغرض التسويق بشكل أكبر من التأثير الديني. ورغم أن هناك مشاهدات من شرائح عمرية مختلفة للمؤثرين الدينيين الرقميين يظل التأثير أكبر لدى شرائح الفتية والشباب.
موضة تجارية
من ناحيته يرى مارك أوين جونز، وهو أستاذ مشارك في دراسات الشرق الأوسط في جامعة حمد بن خليفة، أن رمضان بات يلعب تأثيرا من المؤثرين على الوسائط الاجتماعية، وهو ما بات يدفع الصائمين لتبنى عادات جديدة تدعمها شركات ضخمة من أجل زيادة الأرباح. وبحسب الخبير أوين جونز والذي يجري أبحاثا حول الطريقة التي يتم بها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة والأخبار المزيفة في الشرق الأوسط فإنّ الرعايات التجارية المدفوعة للشركات الكبيرة مع المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي في رمضان تظهر أهمية التأثير الالكتروني.
وتابع أوين جونز: "يعتبر رمضان مهمًا حقًا لأن هذا الشهر يرافقه ارتفاع كبير في الإنفاق الاستهلاكي. لذلك تستهدف وكالات التسويق بوضوح المؤثرين وتحاول الحصول على حملات تأثيرية ناجحة". بيد أن الحاضر الأكاديمي من رام الله البرغوثي يشير إلى اختفاء العادات البسيطة وظهور عادات مُنَمِّقة، حيث أصبحت حتى الأعمال الخيرية جزءًا من تقاليد معينة. كما تلاشت العفوية في المجتمع، مما أدى إلى سطحية أكبر في التفاعلات الاجتماعية. وبالنسبة لسمر فإن التكنولوجيا الرقمية تحاول التأثير في صورة رمضان التقليدي الجميل في مخيلتها، إلا أنها لم تنكر وجود العديد من الإيجابيات أيضا التي حاول المؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي تغييرها في رمضان. إذ نظرا للظروف الحياتية الصعبة في غزة والسودان وغيرهما برزت حملات الكترونية لمؤثرين طلبوا عدم تصوير الطعام أو إبرازه مراعاة لمشاعر الجائعين والمحتاجين، كما نادت حملات أخرى بوقف هدر الطعام وزيادة دعم المحتاجين.